بعد طول انتظار، وتأجيل في نونبر الماضي، تلتئم على مدى يومين في روما فعاليات “قمة إيطاليا-إفريقيا”، التي تعرف حضورا وازنا على مستوى رؤساء الدول والحكومات، ويمثل الملك محمدا السادس فيها رئيسُ الحكومة عزيز أخنوش.
القمة تأتي في أعقاب اعتماد الحكومة الإيطالية مؤخرا ما عرف بـ”خطة ماتيي” (Mattei Plan) بهدف تجديد نهجها وسياستها تجاه القارة الإفريقية في مجموعة من القضايا الشائكة، أبرزها قضايا الهجرة والطاقة والتنمية، وهي أبرز الملفات التي سيناقشها القادة الأفارقة مع جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية.
وكما يتبدى من عنوانها، فإن القمة تجعل من “النمو المشترك” بين دول إفريقيا والجمهورية الإيطالية جسراً لتمتين التعاون وتعزيزه، خاصة في مجالات الهجرة غير النظامية وقضايا الإمداد بالطاقة، في وقت سبق لجورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، أن أكدت أن “خطة ماتيي تعنى بتقديم المساعدة للدول الإفريقية علاقةً بقضايا الهجرة واللجوء”، كما ربطتها بـ”استعادة إيطاليا دورها في الفضاء المتوسطي”.
الحدث الذي حضره أيضا قادة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فضلا عن منظمات دولية وأممية، يطرح للنقاش المبادئ التوجيهية لخطة “ماتيي”، بوصفها خطة تعتزم روما بلورتها مع ممثلي الحكومات الإفريقية وتقديمها إلى الدول الأوروبية الأخرى كـ”نموذج للتعاون والتنمية المتكافئة” بين الطرفين.
وفضلا عن اعتبارها حدثاً فارقا في مسار التعاون “شمال-جنوب” وبين ضفتي المتوسط الأوروبية والإفريقية، فإن قمة إيطاليا-إفريقيا تفرض نفسها فرصة سانحة قصد تعزيز أسس العلاقة القائمة بين الجانبين، وفق مرتكزات أساسية، من بينها ملفات شائكة من قبيل الأمن الغذائي والثقافة والتكوين، إلى جانب الأمن الطاقي والتنمية الاقتصادية والبنيوية ومكافحة الاتجار بالبشر والإرهاب وتدبير الهجرة القانونية.
“بين النوايا والفعل”
تعليقا على الموضوع، سجل زهير الواسيني، إعلامي مغربي مقيم بإيطاليا، أن “مشروع ماتيي الذي صوت عليه البرلمان في بداية نونبر 2023، يبصم عن وجود انطباع الانفتاح الإيطالي على إفريقيا بشكل استراتيجي”، واضعاً انعقاد القمة في سياق “تزايد حدة الهجرة وتدفقاتها غير النظامية، فضلا عن ملفات الأمن الطاقي والغذائي والتنمية السوسيو-اقتصادية”.
وأضاف الواسيني، في تصريح لهسبريس، أن “مشروع ماتيي لم يُقلِع بَعدُ في الحقيقة”، ما يجعله فقط في “خانة النوايا” حسب عدد من وسائل الإعلام الإيطالية، التي تنظر “بكثير من التوجس وعدم الثقة في تطبيق أي شيء منه”.
وأبرز الإعلامي المغربي أن “المشكل الأساسي هو كيفية فتح آفاق لحل مشاكل إفريقيا من طرف قائدة حكومة يمينية لا تنظر بعيداً حسب تصورها”، بل ما قد يُخشى هو أن تصير القمة لـ”الاستهلاك الداخلي أمام الرأي العام الإيطالي فقط”، منبها إلى أن “إيطاليا بإمكانها أن تمر إلى الفعل عبر تحقيق مشروع ماتيي، إلا أنها تحتاج إلى حلفاء وحشد دعم أوروبي كبير في ظل سياسة خارجية منغلقة في عهد ميلوني”.
“الغاية من خلق تعاون وشراكة باستحضار الاتحاد الأوروبي هي تأمين الاستقرار في المنطقة الإفريقية، ما يعني إيقاف تدفقات الهجرة التي شكلت هاجسا جوهريا لحكومة اليمين الحالية”، يرصد الواسيني متحدثا لهسبريس قبل أن يستنتج أن “الغاية شيء وكيفية تحقيقها شيء آخر”.
ورغم تساؤله عن مدى كفاية الغلاف المالي المعلن لتحقيق الخطة (2.8 مليون يورو)، شدد الخبير في الشؤون الإيطالية على أن “غياب تصور لحلول حقيقية في إفريقيا وبناء تحالف استراتيجي على أسس متينة” قد يؤثر على التنزيل السليم له مستقبلا، ما يستدعي “التريث والانتظار طيلة أربع سنوات قادمة” قبل الحكم على مدى نجاح رهان حكومة ميلوني في “تنسيق شراكات عمومية وخاصة وتمويل مشاريع من طرف روما داخل القارة الإفريقية”. وختم معلقا: “إيطاليا تُحْسِن جيدا الدفاع عن مصالحها، إذن ليس على الأفارقة إلّا أن يُحسنوا الدفاع عن مصالحهم”.
“إفريقيا في قلب الجغرافيا العالمية”
لحسن أقرطيط، خبير في العلاقات الدولية، لفت من جانبه إلى أن “القارة الإفريقية أصبحت في قلب الجغرافيا السياسية العالمية، وهو ما تجلى في العديد من القمم التي كثُرت بين دول وقوى كبيرة والقارة”، مستدلا بالقمم الروسية-الإفريقية، الصينية-الإفريقية، الأمريكية–الإفريقية… وهو ما يعبّر عن فرص يتيحها الاستثمار في القارة الواعدة والشابة.
وأكد أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن “هناك توجها لقمم كثيرة من أجل تطوير شراكات وإنجاز اتفاقات استراتيجية للتعاون المشترك بين القوى العالمية والقارة”، فضلا عن “اهتمام عالم المال والأعمال في إيطاليا بالقارة الإفريقية والإمكانات الطبيعية المعدنية والمؤهلات الديمغرافية الكبيرة”. وقال: “هذا يجعل القضايا المهمة التي ستطرح للنقاش مرتبطة بتحديات الأمن الغذائي والأمن الطاقي التي اكتشفها العالم بعد الجائحة وبعد تضرر سلاسل التوريد العالمية في سياق اقتصادي وجيو-سياسي يتسم بإعادة إطلاق النمو الاقتصادي العالمي بعد تراجع سابق”.
ولفت الخبير ذاته إلى أن القمة بروما “تستهدف تحقيق إقلاع اقتصادي من جديد مستحضرة أحد أبرز بوابات القارة الأوروبية”، معددا رهانات “تحدي الهجرة الذي يلقي بظلاله بشكل كبير في ظل انعدام شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة لانتشار النزاعات والصراعات المسلحة بإفريقيا”.
وخلص أقرطيط إلى أن “القمة تتيح للطرفين، مع وجود مستثمرين عالميين، منصة لنقاشِ خطط واستراتيجيات تحدّ من تأثير ظاهرة الهجرة على ضفتي المتوسط”.
في الحاجة إلى “خطوة ملموسة”؟
في نظر كريمة موال، صحافية كاتبة في الشؤون الإيطالية بصحيفة “La Repubblica” الإيطالية، فإن انعقاد القمة في حد ذاته “خطوة جيّدة لكل من أوروبا وإيطاليا وكذلك لإفريقيا”، إلا أنها تساءلت: “هل الأمر ستتلُوه خطوات عملية ملموسة لمساعدة الأفارقة خاصة في أزمة الديون أم هو تعبير فقط عن بروباغندا اليمين المتطرف؟”
وذكرت موال، في إفادات تحليلية لهسبريس، أن “ميلوني قبل ترشحها سوّقت خطابا عنصريا قويا ضد الهجرة والمهاجرين، وفي الوقت نفسه تبنت خطابا مُضاداً بحكم آثار الاستعمار الفرنسي السابق للقارة واستنزافها، قبل أن تعود وترضخ للواقع بحكم أنه خلال ولايتها الحكومية ارتفع مدّ الهجرة ليصل 155 ألف مهاجر إلى الأراضي الإيطالية”.
موال وضعت “مخطط ماتي” في سياق “تغطية فشل سياسي لجورجيا ميلوني”، مفيدة بأنه إلى حد الساعة “لم تُعرف غاياته وأهدافه المحددة أو كيفية تنزيلها رغم دعم أوروبي للقمة عبر حضور ميشال وفون دير لاين”.
وربطت الإعلامية الخبيرة في الشأن الإيطالي “انعقاد القمة بسياق تسارع الخوف من توسع النفوذ الصيني والروسي في إفريقيا”، ما يجعلها جوابا عن “كيفية اللحاق بركب القوى العالمية المتنافسة وتقديم شيء مفيد للقارة وحل مشاكل الطاقة والهجرة والاقتصاد ونقاش قضايا أمن الحدود والساحل”، قبل أن تخلص إلى أن “نجاح ميلوني في مخططها ونجاح مخرجات القمة رهين أساسا بوجوب أن تحشد دعم مؤسسات مالية دولية ومجموعة السبع”.