Articoli

إعلامي مغربي يخيّر الرميد بين الدفاع عن الحريات أو الاستقالة

خلقت تصريحات مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، خلال رده على تعقيبات النواب البرلمانيين بخصوص مسألة الحريات الفردية، أثناء مناقشة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الكثير من الجدل، إذ اعتبر أن الحريات “يجب ألا تكون مطلقة، بل في حدود، لأن الحرية الفردية تخضع لمنظومة القيم السائدة في المجتمع”.

الوزير مصطفى الرميد، وفي الموعد ذاته، وصف فرنسا بأنها “الوجه الآخر لطالبان”، في إشارة إلى ما اعتبره تضييقا على المحجبات بالبلد الأوروبي، معبرا عن رفضه للعلاقات الجنسية الرضائية، والإجهاض، وداعيا إلى عدم الغلو في المطالب، والاتفاق على الحلول الوسطى.

زهير الواسيني، الإعلامي المغربي بالتلفزة الإيطالية، اعتبر أن الوزير المغربي سقط في فخ الإيديولوجيا التي ينتمي إليها سياسيا، مطالبا إياه بالدفاع عن الحريات في البلد أو تقديم استقالته.

:وإليكم المقال كما توصلت به الجريدة الإلكترونية هسبريس من كاتبه الإعلامي بإيطاليا زهير الواسيني

مرة أخرى يسقط وزير الدولة المكلف بـ”حقوق الإنسان” مصطفى الرميد في فخ الإيديولوجيا التي ينتمي إليها سياسيا بتشبيهه فرنسا بحركة طالبان الأفغانية. فبالنسبة للوزير المغربي لا فرق بين من يفرض ملابس تحترم فهما خاصا للشريعة الإسلامية، ومن يقنن قواعد معينة لاحترام التعايش في مجتمع علماني متعدد الإثنيات والديانات.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها السيد مصطفى الرميد عدم فهمه لتحولات العالم واقتصاره فقط على ترديد كلام قد يجد له صدى داخل مجتمع محافظ، كذلك المغربي، ولكنه بعيد كل البعد عن لغة المسؤولية التي يفترض وجودها في شخص أنيطت به مهمة صيانة حقوق المواطنين.

الدفاع عن حرية الأشخاص وكرامتهم لا علاقة له بقناعاتنا الشخصية، بل هو منظومة وضعت خصيصا لضمان حقوق الجميع وبدون تمييز. “وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة”، كما يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثلما اعتمدته الأمم المتحدة.

ما لم يفهمه السيد الوزير إلى حد الآن أننا لسنا أمام قائمة طعام نختار منها ما تشتهيه أنفسنا ونزدري ما لا يعجبنا. هذا ما يفسر تبريراته المتكررة لقوانين وممارسات بعيدة كل البعد عن فلسفة احترام الإنسان. بالعربي الفصيح: لا أحد يطلب من السيد الرميد أن يكون متفقا مع من ينادون بالحريات الفردية، فآراؤه الشخصية تهمه هو وحده وعلى الجميع احترامها. ولكن حينما يتعلق الأمر بمهمته كوزير لحقوق الإنسان فإن الأمر يختلف، فإما أن يدافع عن الحريات المتعارف عليها عالميا أو يستقيل.

والمسألة ليست مرتبطة بدرجة نمو مجتمعنا ولا علاقة لها بالسياق الذي نعيش فيه، فالقضية مقترنة بمبادئ واضحة لا تحتاج إلى شرح مستفيض. في مثل هذه الحالات لا مناص من الاعتراف بأن المشكل ليس في حقوق الإنسان، بل في مجتمعاتنا المتخلفة التي تدافع وباستماتة عن تخلفها. هذا كل ما في الأمر. والسيد الرميد يعرف هذا جيدا وإلا لما برر تصريحاته المثيرة بـ”القول بالحرية الفردية يخضع لمنظومة القيم السائدة”. ما يجب أن يستوعبه الوزير ومن يؤيدونه، حتى وإن كانوا الأغلبية، أن القيم السائدة في مسألة الحريات هي التي تخضع لقواعد الحرية الفردية وليس العكس.

السيد الرميد، ومن منطلقات إيديولوجية محضة، يكرس مفاهيم مغلوطة بمقارنة ساذجة بين نظام ينهل تشريعاته من أبشع قرون التخلف الإسلامي من جهة، ونظام حداثي لائكي في مجتمع متطور يعيش مرحلة جدال حاد بغاية البحث عن صيغة لبناء تعايش حقيقي بين مختلف الديانات والإثنيات من جهة أخرى. وهي مقارنة لا تستقيم لا فكريا ولا أخلاقيا لأنها تبدو جزءا من خطاب الإسلام السياسي حينما يتجلى في قمة شعبويته.

تقديم المجتمعات اللائكية في أوروبا كمجتمعات معادية للدين وللمسلمين خاصة هو كلام مجانب للصواب. أكيد أن المجتمعات الغربية التي وجدت ضالتها في نظام ديمقراطي لائكي، والذي، على علاته وهي كثيرة وليس هنا المجال لسردها، أعطاها زخما إنسانيا واقتصاديا لا يمكن إنكاره، تعيش لحظة حرجة من تاريخها، ولكن هذا لا يعني أن هناك مجال لمقارنتها لا بطالبان ولا بأي نظام آخر في مجتمعاتنا المسلمة.

ربما هناك استثناء وحيد هو النموذج التركي الذي أفرزته سياسات أردوغان، الذي ينتمي إلى نفس الفصيل الإخواني للرميد في توجهاته الإيديولوجية، والذي استطاع إيصال دولته إلى مراحل متقدمة من النمو والتطور. الطريف أن نجاح الرئيس التركي تم ويتم في جمهورية تأسست على لائكية الدولة، والذي يبدو أنها ساهمت وبشكل كبير في تطور مجتمع تحترم فيه الحريات الفردية أكثر من أي مكان في العالم العربي والإسلامي. مفارقة على السيد الرميد أن يتمعن حيثياتها التاريخية لكي يكف عن التبريرات الواهية التي تبرز فقط مدى جهله بأبجديات حقوق الإنسان.

Leave a Reply

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *

Marocco, Islam

Exit mobile version