Articoli

العلاقات بين المغرب والجزائر ..”الحوار المتشنج ورقعة الشطرنج”

أدعو المسؤولين السياسيين الجزائريين ونظراءهم المغاربة إلى قراءة كتاب ألان بييريفيط  حول الرئيس ديغول بتمعن؛ ففي فقرة طويلة حول موقف الرئيس الفرنسي الأسبق من حرب الرمال سنة 1963 نقرأ جملة واضحة لا لبس فيها حول إستراتيجية فرنسا (وغيرها من الدول الوازنة عالميا) ساعة تعاملها مع قضايا شمال إفريقيا والشرق الأوسط. فحينما سأل كاتب النص، الذي كان وزيرا آنذاك، عن الموقف الذي وجب اتخاذه من النزاع المذكور كانت إجابة الجنرال مختصرة ومفيدة: “إننا نزود المغاربة بالسلاح، ووضعنا مطار كلومب بشار رهن إشارة الجزائر؛ فعمليا نحن نساعدهم على قتل بعضهم البعض”.بشار رهن إشارة الجزائر؛ فعمليا نحن نساعدهم على قتل بعضهم البعض”.

بعد أكثر من خمسين سنة لازال البلدان في النقطة نفسها. أكيد أنه ليست هناك حرب مفتوحة، ولكن كل ما يحصل يؤكد أن الجزائر والرباط لا هم لهما سوى خلق المتاعب لبعضهما. ما حصل في مالابو مثلا ما هو سوى حلقة تضاف إلى حلقات الصراع المستمر التي تؤكد للعالم أن الدولتين تفضلان الاستمرار في سياسة “شد لي نقطع لك” عوض البحث عن حلول عملية تسمح بالخروج من هذا المأزق التاريخي، المبني أساسا على الرغبة في إبراز العضلات وإثبات الهيمنة إقليميا.

أكيد أن هناك الكثير من الخلافات الموضوعية التي قد تبرر هذا الصراع اللامتناهي، أهمها ذلك الذي تجسده الأنظمة السياسية التي تحكم البلدين. الاختلافات ولدت قراءة للواقع وللعالم تتناقض في أغلب الأحيان لأسباب إيديولوجية، خاصة أن صناع القرار تنقصهم الشجاعة لمواجهة القضايا الحقيقية، عوض تلك الهامشية التي لم يجن منها الشعبان سوى الويلات. إغلاق الحدود مثلا لا يمكن تبريره في أي حال من الأحوال. فبالإضافة إلى الخسائر المادية المؤكدة فإن الحد من التواصل بين الساكنة في البلدين يولد تنافرا يتجسد في كثير من الأحيان بلغة حاقدة تزرع الكراهية بين شعبين تجمعهما اللغة والدين والثقافة، بل في الواقع هما شعب واحد فرقته حدود صنعها المستعمر.

في مالابو، تأكد للمرة الألف انعدام أي إرادة سياسية لحل الخلافات بين البلدين. المغرب لعب أوراقه، التي رغم قلتها وضعفها استطاعت أن تخلق الحدث وأن تضع مؤسستين قاريتين على المحك؛ بينما استطاعت الدبلوماسية الجزائرية أن تثبت قوتها على مستوى القارة الإفريقية. إنها دينامية “حوار” بين بلدين قررا استعمال أسلوب الضغط ومحاولة إرضاخ الآخر عوض البحث عن صيغة لحل المشاكل العالقة، والتي تتراكم وتزيد تعقيدا بسبب تعنت الساسة وكذا تسخيرهم لوسائل الإعلام و”الخبراء” في بروباغندا تزيد من تعميق الخلافات عوض شرحها والعمل على إيجاد حل ناجع لها.

في هذا السياق قضية الصحراء ما هي سوى حلقة أضيفت إلى مسلسل علاقات متشنجة لم تستطع الخروج من أتون الحرب الباردة. ولو لم تكن قضية الصحراء كانت ستكون “قضية الريف” أو سوس أو غير ذلك. تكفي متابعة الطريقة التي تعاملت بها الجهات الرسمية في الجزائر ووسائل إعلامها مع “معركة جزيرة ليلى” لنفهم أن “الحسيفة” أكبر من أن تقتصر على صراعات محددة.

ولكي نكون موضوعيين، فإن المغرب متى سنحت له الفرصة فإنه يستعمل الأسلوب نفسه. أي اضطراب في الشارع الجزائري يلقى ترحابا مغربيا لا يمكن إنكاره. كما أن دور السلطات المغربية لم يرق إلى المستوى المطلوب خلال “الحرب الأهلية” التي كادت أن تعصف ببلد بكامله.. هذا واقع يجب الاعتراف به.

كل المؤشرات تدل على أن هذا “الحوار المتشنج” سيستمر. ليست هناك بوادر انفراج. الجزائر الرسمية وجدت في نزاع الصحراء ضالتها وقررت عدم التفريط في هذا الملف، وهاجسها عزل المغرب إقليميا؛ وهو ما تأتى لها بسبب خيارات مغربية خاطئة، كترك المقعد فارغا في الاتحاد الإفريقي. هذا الخطأ الذي تحاول الدبلوماسية الملكية تصحيحه عبر توغل في المنطقة، أصبح في حد ذاته جزءا من إستراتيجية لإزعاج الجزائر، التي طالما اعتبرت القارة السوداء حديقة خلفية لها.

في سياق كهذا يصبح من الصعب التفكير في حل عملي لقضية الصحراء. أمامنا سنوات عجاف سيدفع ثمنها، مثل العادة، سكان تندوف الذين يعانون من وضع عبثي يقتاتون فيه من رواية للتاريخ لا تأخذ بعين الاعتبار الصراع الإقليمي الحاد بين الدولتين الجارتين.

ورغم إيماني بحسن نية أغلب من يدافع عن استقلال الصحراء، فإن أي حل كيفما كان نوعه لا يمكن تمريره سوى عبر اتفاق بين المغرب والجزائر. هذا ليس انتقاصا من قيمة نضال بعض الإخوة الصحراويين الذين يرفضون الوجود المغربي ويعتبرونه احتلالا، بل هو فقط دعوة إلى قراءة تأخذ بعين الاعتبار الصراعات الإقليمية.

مصير الدول ليس مختبرا للتجارب، بل هو نتيجة لجدلية مستمرة تلعب فيها موازين القوى الدور الأكبر. حينما يكرر المغرب أن قضية الصحراء مسألة وجود بالنسبة له فإن أي مبتدئ في الدراسات الجيوسياسية يعي ذلك. وهكذا ففي خضم هذه اللعبة فإن الرباط تدافع عن مصالحها وكذا الجزائر. فهل الإخوة الذين يدافعون عن استقلال الصحراء الغربية يحسنون الدفاع عن مصالحهم؟ أم أنهم مجرد بيادق تتقاذفها الأنامل في رقعة الشطرنج المغربية الجزائرية؟ هذا هو السؤال الذي أبحث له عن جواب منذ أكثر من أربعين سنة.

Leave a Reply

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *

Marocco, Islam

Exit mobile version